ألى أين نحن ذاهبون ( 3 )

أعود مرة أخرى للصراع الدائر في مصر ، كثير من النشطين السياسيين يرون أن الصراع هو صراع قائم على توجهات سياسية أو بالأحرى صراع ايديولوجي إلا أنه في الحقيقة هو صراع طبقي ... صراع بين النخبة البرجوازية و باقي طبقات المجتمع من يستطيع السيطرة على الحكم ؛ خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة استطاعت البرجوازية المصرية أن تعود مرة أخرى على سطح الأحداث و تضع سيطرتها على الحياة السياسية المصرية ، بعد فترة كانت فيها بعيدة و لو نسبيا عنها.

كثيرون لا يعرفون تاريخ البرجوازية المصرية و كيف تكونت ، فالبرجوازية المصرية اعتمدت في الأساس قديما على الحيازة الزراعية بالرغم إنها لم تعرف الملكية الخاصة بالأرض إلا في نهايات القرن التاسع عشر ، و من قبل منذ عهود الفراعنة القدماء كان فرعون أو الملك هو مالك الأراضي الزراعية و الكل يعمل تحت أمرته ،و استمر ذلك على مدار التاريخ الدولة أو الحاكم هي المالك للأراضي الزراعية و تهبها للأمراء و رجال الحكم إيجارا لزراعتها.

بعد الحرب العالمية الأولى كان الصراع على أشده بين البرجوازية المصرية التي أشتد عودها و أصبحت لا تكتفي بوجودها المتميز فقط في المجتمع المصري بل بدأت تطمع في السلطة ، و حتى يتم إبعاد الطبقات الدنيا المتمثلة في العمال و الفلاحين للوصول إلى البرلمان أشترط قانون الانتخابات الذي صدر عام 1930 في من يتقدم بالترشح بتسديد مبلغ 50 جنيه لمجلس النواب ، 100 جنيه لمجلس الشيوخ ، ثم عدل القانون عام 1935 بزيادة المبلغ إلى 150 جنيه لكل من المجلسين ، و كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على التركيب الطبقي لممثلي الأمة في البرلمان ، و قد وصفه اللورد كتشنر ممثل الاحتلال في تقرير رفعه إلى حكومته عام 1913 فذكر أن الجمعية التشريعية الجديدة تتكون من الآتي :

المـلاك ................................ 39

المحامون ............................. 8

التجار .................................. 4

العلماء و الآباء الروحيين .......... 3

المهندسون .......................... 1

سنجد أن العمال و الفلاحين غابوا تماما عن التمثيل داخل البرلمان ، فهذا القانون المجحف استبعد الشريحة الأكبر من المجتمع المصري ، حتى أن صياغة دستور 23 جاءت مربكة ففي الوقت الذي تضمن فيه الدستور أن شكل الحكم في مصر نيابي ، و السلطات مصدرها الأمة هذا بالإضافة إلى الحريات الآتية: الحرية الشخصية ، و المساواة في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية ، و حرية الرأي ، إلا أنها في نفس الوقت اعترفت في المذكرة التفسيرية التي صدرت بهذا الشأن بارتباط هذا التعديل بالحركة الاشتراكية و الشيوعية التي تجتاح البلاد و جاء بها : "إن بعضا من الحرية الدستورية لا يمكن تطبيقه على حملات تحمل على اساس الهيئة الاجتماعية كخطر الدعوة البلشفية الموجودة الآن ، فأنه يضطر جميع الحكومات إلى إتخاذ تدابير قد تكون مناقضة للمبادئ المقررة بالدستور ، لأجل ضمان حرية أهل البلاد المسالمين و الموالين للقانون." لذا جاء قانون الانتخابات لسنة 1930 بتعديلاته عام 1935 للحفاظ على التمايز الطبقي داخل المجتمع المصري في تضاد مع ما تضمنه الدستور من الفاظ مثل الحرية الشخصية و المساواة في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية و حرية الرأي.

نلاحظ أن الصراع بين الطبقة البورجوازية التي أرادت أن يكون لها دور في الحكم و بين الملك قد مال في بداية الأمر لصالح البورجوازية المصرية التي أدركت أن وضع صلاحيات كبيرة في يد ملك واقع تحت الحماية البريطانية قد يكون خطرا على الديمقراطية و الحريات ، فكتب عبد العزيز فهمي خطاب مشهور إلى رئيس الوزراء في 15 إبريل 1923 يقول فيه : "إذا كان سيادة الأمة و كونها مصدر كل سلطة ، هي أهم ما تسعى الشعوب لحمل أمرائها على الإقرار به لها ، و هي التي تقوم الثورات و تثل العروش لاستنقاذها من براثن هؤلاء الأمراء ، فما معنى أن تكون السيادة آتية لمصر من أنياب الإنجليز ، بعد الجهود و التضحيات الكبرى التي قام بها المصريون في وجه الإنجليز ، ثم يأتي إناس من المصريين أنفسهم ، فيهبونها غنيمة باردة لأمراء البيت المالك؟!"

و على كل فإن طبيعة الصراع الذي دار بين الطبقة البورجوازية و الملك من ناحية و الاستعمار من ناحية أخرى كان صراعا على السلطة و التي عبرت عنه بشعارها الاستقلال و الدستور ، و إن كانت انتصاراتها أمام المحتل الإنجليزي كانت أكثر وضوحا خاصة بعد إبرام معاهدة 1936 ، و الغاء تصريح 28 فبراير ، ثم الغاء الامتيازات الأجنبية في مؤتمر منترو بسويسرا 1937 ، و في المقابل كان نجاحاها في صراعها مع الملك محدودا بسبب الصراع الحزبي داخل الطبقة نفسها ، مما أدى إلى تحالف أحزاب الأقلية أو الأحزاب التي انشقت عن الوفد ، بالإضافة إلى الحزب الوطني الذي كان يقود الحركة الوطنية قبل الحرب العالمية الأولى مع القصر ، فضلا عن الأحزاب الموالية للملك مثل حزب الأحرار الدستوريين ، أدى هذا الصراع الداخلي إلى انصراف الأمة إلى صراع من أجل الدستور و ليس من أجل الحرية و التنمية بعد أن اصبح القصر الملكي هو مصدر للسلطة و ليس الشعب ، هذا ما أوصل الحياة السياسية المصرية إلى نوع من الفوضى قبل ثورة 23 يوليو 1952 و مهدت الطريق لقيامها.

تعليقات

  1. اسف يا زميل الفكر
    وجدت كميه رهيبه من الأخطاء الايديولوجيه وغير الايديولوجيه وبقدر يحتاج الى بحث كامل لتصويبه (( طبعا اتحدث بوجهه نظر شخصيه غير ملزمه قطعاً ))

    تحيه

    ردحذف
  2. يخرب بيتك .... أخطاء أيه ده سرد تاريخي مش أكثر

    أبعتلي الإيميل بتاعك ضاع من عندي عايزك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

و رحل مفكر آخر “نصر حامد أبو زيد“

تنظيم القاعدة بيقتل 37 مسيحي عراقي علشان كامليا المصرية !!

الرأسمالية : قصة حب !