أوهام البورجوازية الصغيرة و الثــورة

خلال الفترة الأخيرة تكاثرت تحليلات التيار اليميني الرأسمالي و معه التيار التيار الديني كما تتكاثر البكتريا العقيمة وحيدة الخلية حول شعار العدالة الاجتماعية ، ليتوه العامة بين الفاظ جذلة عالية الجودة براقة ، مرة باسم الحرية و مرة باسم الدين ، و لكن في النهاية لم يحاول أي من التيارين أن يشرح للعامة آلياته لتحقيق تلك العدالة المنشودة ، للأسف الشديد رؤية كل من الاتجاهين لا تزيد عن رؤية اي برجوازي صغير ينظر للأحداث بوجهة نظر إصلاحية بعيدة كل البعد عن الرؤية الثورية الحقيقية لتحقيق واحدة من أهم مطالب الثورة و هي العدالة الاجتماعية

يتزامن مع ذلك خبر نشر على بوابة الأهرام الاليكترونية بتوصية لمؤتمر الغرف التجارية بوضع دستور اقتصادي قبل الدستور السياسي ، في محاولة منهم لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه و المحافظة على ما اكتسبوه من مكاسب قبل الثورة ، و من بين الأفكار التي أخرجها علينا هؤلاء السادة أصحاب رؤوس الأموال في مصر ان تطبيق سياسة الحد الأدنى للأجور سيترتب عليها زيادة معدلات البطالة في مصر ، كأن الثورة لم تقم من الأساس

في وسط كل ذلك يخرج علينا بعض الشباب المحسوبين على الثورة يؤيد تلك التوصيات متوهمين أن الحل هو في أيدي من سرقهم قبل الثورة ، أنها أوهام ذلك البورجوازي الصغير الحالم بأن يترقى من الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة لشريحة اعلى و ربما يصل إلى أن يكون برجوازي كبير يمتلك من المال ما يغنيه من مذلة الفقر و التبعية

الثورة الآن في مهب الريح تتجاذبها أوهام الديمقراطية البورجوازية الشكلية فهي لم و لن تحاول الدخول في تفاصيل معالجة أهم مشكلات المجتمع المصري و هي في أغلبها اقتصادية تسبب فيها غياب دور الدولة الاقتصادي لتترك الشعب بين سندان الفساد و مطرقة الجهل.

الراسمالية و العمال للأسف الشديد اليوم و مع مرور الوقت أصبح يسيطر على الهالة الإعلامية للثورة مجموعة من الشباب ينتمي أغلبهم إلى تلك الطبقة الحالمة ثائرون في كلماتهم ، حالمون في أفعالهم ، لم نرى تحرك حقيقي على أرض الواقع يفرض تغيرات حقيقية يتم من خلالها تنفيذ المطالب التي بدأت بها الثورة ، فالبرجوازية الصغيرة الحالمة بطبيعتها لا تريد الدخول في صراعات طبقية ، ترفض أن يفرض اي حزب أو تنظيم صراع من ذلك النوع سيدخلها في صراع أكثر حسما و عنفا و هو الصراع على أجهزة الدولة ، فينفرط حلم تلك الطبقة و تصبح أحلامها في مهب المقارنة العملية بين أوهام تنشرها بين العامة عن استثمارات ستعيد الأوضاع إلى نصابها الصحيح ، و القوى الرأسمالية المتحكم الحقيقي في اللعبة السياسية و التي لن تسمح بأن تنتقص من مكاسبها و من ناحية أخرى بين المطالب الشعبية الحقيقية و هي العدالة الاجتماعية

و على الجانب الآخر يقف التيار الإسلامي بخطابه الديني القوي ، إلا أنه يرفض في الدخول في تفاصيل الحلول ، فإذا أخذنا برنامج "حزب النور" سلفي التوجه كمثال للتيار الإسلامي فنجد أن برنامجه تكون من 43 صفحة في سبعة ابواب ، في أغلبها لم تختلف كثيرا عن ما يسطر في مواقعهم أو ما يقال في أحاديثهم ، و لكن الذي كان أكثر جذبا لي هو البرنامج الاقتصادي و الاجتماعي و الذي أحتل الباب الثالث ، لم يخرج عن ما يمكن أن تقرأه في برنامج اي حزب سوى الجزء الخاص بالمعاملات البنكية ، حيث أقترح البرنامج تعديل القوانين البنكية من خلال التخلص من الفوائد الربوية و التوسع في التمويل على أساس المشاركة في الأرباح و الإنتاج ، كذلك تفعيل قانون الاحتكارات ...

الجزء الاقتصادي كما قلت من قبل لا يخرج عما يمكن أن تقرأه في أي برنامج اقتصادي لأي حزب ما عدا الجزء الخاص بالبنوك و تعديل قوانين التعامل معها ، و هي جزئية في غاية الصعوبة في التطبيق نظرا للارتباطات العالمية في المجالات البنكية و ربطها بالبورصة و هي قائمة على مجموعة معقدة من المقاصات البنكية المعتمدة اساسا على الفوائد الربحية ، فهي أقرب للخيال منها للواقع لأن حتى التجربة الماليزية التي يتشدقون بها لم تستطع أن تتخلى عن التعاملات البنكية العالمية بشكل كامل ولكنها تطبق ذلك بشكل جزئي كما هو معمول به في مصر حاليا ، اما عن قوانين الاحتكارات فهي متفق عليها بين أغلب التيارات السياسية ما عدا بعض التيارات اليمينية الرأسمالية المتطرفة ...

و عند التوقف أمام البرنامج الاجتماعي لم يخرج عن كلمات عامة بلا آليات ماعدا الجزئية الخاصة بالتأمينات الصحية بذكر ضرورة التوسع في مظلة التأمين الصحي ثم توقف البرنامج عند تلك النقطة و لم يحاول سوى الإشارة إلى المشكلات الاجتماعية الأخرى التي يعاني منها المجتمع المصري مثل العنوسة و العنف و الاغتراب و التعليم و البطالة فقط بكلمات عامة بدون توضيح أية آليات لحل أيا منها

نخرج من ذلك أنه حتى تلك اللحظة لم تستطع التيارات السياسية أن تضع آليات محددة لتصحيح الأوضاع قبل أن تنقلب الطاولة لتنفجر ثورة أخرى على الثورة

تعليقات

  1. انا قريت البوست كاملا
    اليك ردى دون زيف او مبالغه
    من الواضح انك راجل فاهم بتقول ايه يعنى مش ببتكلم فى الاطار العام لأانت ممكن يكون عندك تفاصيل مش عند غيرك كتير
    ثانيا الموضوع اللى انت بتتكلم فيه انا ليا تشبيه غريب شويه فى الموضوع ده اللى هو برامج الاحزاب التشبيه ده دايما بقوله لأصحابى
    كل الديانات اللى على وش الارض الكتابيه والغير كتابيه تلاقيها بتتجمل يعنى مفيش دين بتلاقيه يدعو للزنا او السرقه تلاقيهم كلهم ميه ميه
    المشكله بقى فى مين هو اللى على حق ومين هو اللى دينه من غير تحريف
    فبرنامج الاخوان والسلفيين مش هتلاقيه يفرق كتير عن برنامج المصريين الاحرار بتاع ساويرس
    يا معلم كله كشكول واحد والجميع بنئل منه مفيش واحد فيهم عنده طريقه او خطه للتغيير بجد
    كله بطيخ واقرع كمان
    الاخوان قبل الثوره قالو ان المشاركه فيها غلط بعد الثوره قالو ان شبابهم كانو هناك
    السلفيين كانو بيقولو ان اخروج عن الحاكم فتنه وان التظاهرات مكروهه شرعا دلوئتى بيتظاهرو على نفسهم
    ليا واحد صاحبى سلفى لما ناقشته وزنئته رد عليا قال ايه باللفظ
    ياعم الصح انك تبقى تبع الظروف وتحاول على اد ما تقدر تستفيد من ما هو متاح
    يعنى القضيه ببساطه مبدأ ميكافيللى
    بالنسبه لرجال الاعمال
    وخصوصا بتوع الغرف
    ملئوش حد يفهمهم ان الحال بقى غير الحال
    لأنهم فعلا شايفين ان الحال هو الحال بس اللى مسيرين الحال فى اجازه عارضه وراجعين
    طولت عليك صح؟
    متزعلشى منى بس انا متغاظ من الموضوع ده اوى وانت جيت على الجرح
    سلاااااااااااام

    ردحذف
  2. يا عم جيفارا أنا واحد غلبان زي زي غيري ... كل ما فيها أني بتابع كويس ، بحاول أقرى كل كلمة و اشوف أيه اللي وراها

    أما عن التيارات الدينية ، هي كل همهم موضوع المادة التانية و تطبيق الشريعة كأن هي دي الخلاص

    و لما تسألهم عن الصراع الطبقي في المجتمع ... يعطلوا و يجيبوا جاز و يهرتلوا بكلام ما تفهمش منه حاجة الموضوع ده مش في المقرر بتاعهم

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. والله يكون في عون الشعب المصري ماسورة احزاب انفجرت وكمية برامج حزبية محدش حيقراها ...يا عزيزي نص الشعب جاهل والنص التاني نصه القرايا تقيله على قلبه..لو بصيت حتلاقى ان الناس واخدة على للي يتكلم مش اللي بيكتب..عشان كدة تلاقى ان كله في مصر بيزعق ويعلى صوته في محاولة منه للتشويش على الاخر ويخليك انت تسمع واولهم التيار الديني بس لخطبة اي واحد منهم؟ مع ان لو واحد تملك الايمان منه بيشعر بالسكينة وتتحول نبرته الى بلسم..تحياتي لكلامك وفكرتني بفيلم فوزية البرجوزية .

    ردحذف
  5. الأحزاب عاملة زي دونكيشوت بتحارب طواحين الهواء ، بتقول شعارات حلوة لكن محدش فيهم قال هيطبقها إزاي ... حاول تقرى برنامج اي حزب من الموجودين هتلاقيهم على الفيس بوك لو الحزب ما لوش موقع

    أما عن التيار الديني .. حدث و لا حرج

    الأخوان أنقسامات

    شباب الاخوان أنضموا لحزب التيار المصري ( تحت التأسيس ) ...اللي أغلبهم كانوا المجموعة اللي عملت تحالف إئتلاف الثورة و دول هما اللي دعوا للخروج يوم 25 يناير

    بيتكونوا من مجموعة 6 إبريل ، و عدد شباب الإخوان ، و عدد من حملة دعم البرادعي و في ناس من كفاية و الجمعية الوطنية للتغير و بعض اليساريين

    بصراحة أنا مستني البرنامج بتاعهم عندي أمل كبير فيهم

    ردحذف
  6. أنت جبت المفيد يا عمرو

    التيار الديني معندوش برنامج أقتصادي أو أجتماعي واضح ... مش ممكن قادة الأخوان اللي أغلبهم رجال أعمال و تجار كبار يوافقوا على وجود للدولة ممكن يقلل اباحهم ده غير انه هيلغي التواجد الاجتماعي للاخوان في الشارع

    الدولة لو رجعت زي زمان بدورها الاجتماعي و الاقتصادي كل التيارات الدينية هتنتهي في لحظة

    ردحذف
  7. هو الراديون ده أوشاعة؟ عمره ما أشتغل معايا مع انه كان بيقول أم كلثوم

    ردحذف
  8. تراكيب

    علشان خاطرك بس هشغله دلوقتي أنا أجازة النهاردة و فاضي ليه :)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

و رحل مفكر آخر “نصر حامد أبو زيد“

تنظيم القاعدة بيقتل 37 مسيحي عراقي علشان كامليا المصرية !!

الرأسمالية : قصة حب !